الذكاء الاصطناعي كوسيلة إنتاج واحتكار

مقدمة

في العصر الرقمي الحديث، يُعتبر الذكاء الاصطناعي واحدًا من الابتكارات الأكثر تأثيرًا في الاقتصاد والمجتمع، حيث يُستخدم الذكاء الاصطناعي في مجموعة واسعة من التطبيقات، تتعلق بتحسين الإنتاجية إلى تغيير طرق العمل. ومع تزايد الاعتماد على هذه التقنية، يتزايد الاهتمام بكيفية تأثيرها على مختلف جوانب انتاج الحياة وإعادة انتاجها.

تمت صياغة مصطلح الذكاء الاصطناعي في عام 1955 من قبل عالم الكمبيوتر الأمريكي جون مكارثي كجزء من طلب تمويل لمؤسسة روكفلر لمشروع دارتموث البحثي الصيفي حول الذكاء الاصطناعي، وهو مشروع بحثي تم تنفيذه في صيف عام 1956 من قبل مجموعة من 20 شخصًا. قام العلماء بدراسة الموضوع لمدة 8 أسابيع تقريبًا¹.

ويعد الذكاء الاصطناعي فرعا من علوم الكمبيوتر يتعامل مع أتمتة السلوك الذكي والتعلم الآلي. من الصعب تعريف هذا المصطلح وذلك يعود بالأساس لعدم وجود تعريف دقيق للذكاء وهذا ما يجعل تعريف الذكاء الاصطناعي معقدا.

هناك عدة محاولات لتعريف الذكاء اعتمادًا على منطلق التعامل معه او الاستفادة منه، يتم تعريف الذكاء الاصطناعي في الصناعة والبحث والسياسة إما من خلال التطبيقات المراد تحقيقها أو من خلال الأساسيات العلمية له:

"الذكاء الاصطناعي هو قدرة نظام تكنولوجيا المعلومات على عرض سلوك ذكي "يشبه الإنسان "​​ ²، وفقا لجمعية بتكوم الالمانية ومركز الأبحاث الألماني للذكاء الاصطناعي. أما شركة مايكروسوفت فإنها تعرف "الذكاء الاصطناعي (AI) التقنيات التي تكمل وتعزز القدرات البشرية على الرؤية والسمع والتحليل واتخاذ القرارات والتصرف"³. ​​ من جانب آخر، فان الموقع الرسمي للبرلمان الأوربي يعرف "الذكاء الاصطناعي بأنه قدرة الآلة على تقليد القدرات البشرية مثل التفكير المنطقي والتعلم والتخطيط والإبداع."​​ ⁴

تتجلى أهمية الذكاء الاصطناعي في تأثيره العميق على كيفية عمل عمليات الإنتاج وإدارته. حيث يُعتبر الذكاء الاصطناعي محفزًا رئيسيًا للتغيير الهيكلي في أسواق العمل والإنتاج، مما يثير تساؤلات حول تأثيراته المحتملة، مما ينذر بآثار إجتماعية وإقتصادية وإجتماعية كبيرة​​ 

الفجوة الرقمية

على الصعيد الاقتصادي يًظهر تقرير معهد ماكنزي⁵​​ أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُساهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 13 تريليون دولار بحلول عام 2030. على سبيل المثال، يمكن أن تُساهم​​ تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين إنتاجية العمالة وتقليل التكاليف، مما يعزز الربحية ويُعزز النمو الاقتصادي. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن تأثيره يمتد على الأتمتة على الوظائف وما يصلها مستقبلا من فقدان وظائف أو إنتاج وظائف جديدة فمن المتوقع أن يتم استبدال حوالي 800 مليون وظيفة بحلول عام 2030، مما يتطلب استراتيجيات تدريب العمال على المهارات الجديدة. على سبيل المثال، في التصنيع، قد تحل الروبوتات محل العمال في خطوط الإنتاج، مما يؤثر على فرص العمل التقليدية.

فالذكاء الصناعي سيساهم كذلك في اتساع الفجوة الاقتصادية والتكنلوجية بين الدول الغنية والدول الفقيرة حيث يمكنه أن يزيد من الإنتاجية ويقلل من التكاليف التشغيلية، مما سيعزز من أرباح الشركات الكبيرة التي يمكنها الاستثمار في هذه التكنولوجيا. وهذا سيؤدي إلى زيادة الفجوة بين الدول الغنية التي تمتلك الموارد للاستثمار في الذكاء الاصطناعي والدول الفقيرة التي تفتقر إلى هذه الموارد.⁶​​ كما ان استخدامه المتزايد​​ يمكن أن يؤدي إلى فقدان الوظائف التقليدية بسبب الأتمتة، مما يزيد من البطالة بين العمال ذوي المهارات المنخفضة في الدول الفقيرة. في الوقت نفسه، يخلق وظائف جديدة تتطلب مهارات عالية في الدول الغنية التي تمتلك البنية التحتية التعليمية والتكنولوجية اللازمة.​​ ⁷

أثر الذكاء الاصطناعي على زيادة الإنتاجية

يعتبر خفض تكلفة الإنتاج وتحسين كفائته من أهم استخدامات الذكاء الصناعي والتي ستؤثر على طبيعة الإنتاج مستقبلا حيث أظهرت الأبحاث أن أنظمة الذكاء الاصطناعي يمكن أن تؤدي إلى تحسين الكفاءة الانتاجية بنسبة تصل إلى 40% في بعض الصناعات. ​​ وعلى سبيل المثال، استخدمت شركة​​ Siemens​​ تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين عمليات التصنيع، مما أدى إلى تقليل وقت الإنتاج وزيادة الكفاءة. ​​ 

كما ان خفض تكلفة الإنتاج وتحسين كفائته سيكون لها دور مهم في القدرة التنافسية وفي زيادة الأرباح. إذ من المتوقع أن يوفر الذكاء الاصطناعي أكثر من 6 تريليون دولار سنويًا للشركات بحلول عام 2035 من خلال تحسين عمليات الإنتاج، والذي يساهم في تحقيق أرباح أكبر.

كما ان هذا الأرباح ستشكل من جانب آخر خطرا اجتماعيا يتمثل بفقدان الوظائف فمن المتوقع ان يتم استبدال حوالي 14% من الوظائف العالمية بحلول عام 2030، مما يتطلب استراتيجيات تدريب العمال على المهارات الجديدة. على سبيل المثال، أدى استخدام تقنيات الأتمتة في صناعة السيارات إلى استبدال العديد من الوظائف التقليدية. كما ان استخدام الروبوتات في التصنيع أو الخدمات اللوجستيبة لتحسين كفاءة عمليات الإنتاجية.​​ 

وبالتالي فان دورة الأرباح ستحرك دورة الوظائف من خلال الاستغناء عن الوظائف التقليدية بوظائف أخرى ترتبط بدورة الإنتاج الجديدة، فانه من جانب سيهدد آلاف الوظائف بالزوال ومن جانب آخر يفتح الافاق لوظائف أكثر.​​ 

تدفع القفزات التي يحققها الذكاء الاصطناعي بالعمليات الإنتاجية المختلفة، الشركات الكبرى لتستثمر بكثافة في الذكاء الاصطناعي لتطوير منتجات جديدة، وهذا من جانب ما يعزز دعم الابتكار بهذا المجال والتسابق من أجل الحصول على القدرة التنافسية العالمية والذي بدوره يساهم بخلق فرص عمل لتوفير التقنيات الجديدة مثل تحليل البيانات والتعلم الآلي. حيث شهدت الحاجة إلى علماء البيانات ومهندسي الذكاء الاصطناعي زيادة كبيرة بسبب الاعتماد المتزايد على البيانات.

من جانب آخر، فان القدرة على الاستثمار بهذا المجال بحاجة لأموال طائلة وهذا ما يفرض بشكل مستمر سيطرة الشركات الكبرى على الرأسمال المعرفي فمن خلال بيانات السوق يُظهر أن حوالي 10% من الشركات تسيطر على 80% من البيانات المتاحة، مما يمنحها ميزة تنافسية قوية. على سبيل المثال، تسيطر شركات مثل​​ Google​​ وAmazon ​​ ​​​​ على السوق بفضل توافر البيانات وتحليلها بشكل فعال وقدرتها على الاستثمار بهذا المجال فهذه السيطرة يمكن أن تعيق دخول الشركات الجديدة إلى السوق.

فزيادة الابتكار لا يعني إطلاقا عدالته وإنما يصبح الابتكار بحد ذاته سلعه خاضعه لاحتكار الشركات الكبرى وهذا الاحتكار يساهم بتعاظم قدرتها التنافسية وتركيز الرأسمال المعرفي وتمركزه من خلال ابتلاع الشركات الكبرى للشركات الصغيرة.​​ 

فالاستحواذ على البيانات وتجميع البيانات يزيد المنافسة بين الشركات الكبرى مثل غوغل وفيسبوك لجمع البيانات، مما يؤثر على خصوصية المستخدمين. حيث تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك المستخدمين وتوجيه الإعلانات بناءً على اهتماماتهم. من هذا المنطلق فإن سياسة استخدام تحليل البيانات تهدف لتعزيز تجربة المستخدم وزيادة المبيعات. حيث تُستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي في مواقع التجارة الإلكترونية مثل​​ eBayوAmazon​​ لتقديم توصيات مخصصة للمستخدمين بناءً على مشترياتهم السابقة.

يمكن حضر احتكار الذكاء الصناعي بأربعة اشكال رئيسية:

• الشركات الكبرى في مجال التكنولوجيا: مثل​​ Google،​​ Microsoft،​​ Amazon،​​ Meta، وNvidia، تسيطر على تطوير الذكاء الاصطناعي وذلك من خلال التحكم في النماذج، البيانات التدريبية، والتطبيقات. وما يمكن الشركات منذلك انها تمتلك موارد ضخمة تمكنها من تطوير تقنيات متقدمة بسرعة، مما يجعل من الصعب على الشركات الصغيرة المنافسة.⁸

• الاندماج العمودي: الشركات الكبرى تسعى إلى دمج نفسها مع مزودي المكونات الأساسية للذكاء الاصطناعي مثل الرقائق والبيانات، وكذلك مع مزودي المنتجات الاستهلاكية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي⁹. هذا يمكن أن يؤدي إلى التركيز المتزايد للسوق وزيادة الفجوة بين الشركات الكبيرة والصغيرة.

• البيانات الضخمة: الشركات الكبرى مثل​​ Google​​ وMicrosoft​​ تمتلك كميات هائلة من البيانات التي تستخدمها لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، مما يمنحها ميزة تنافسية كبيرة على الشركات الناشئة التي قد تواجه صعوبة في الحصول على بيانات كافية.¹⁰

• تكاليف التدريب العالية: تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة يتطلب قوة حسابية هائلة وتكاليف باهظة، مما يجعل من الصعب على الشركات الصغيرة الدخول في هذا المجال.

هذه الاشكال الاربعة يمكن أن يؤدي احتكار الذكاء الاصطناعي وإلى تقييد الابتكار وزيادة التفاوت الاقتصادي. والذي يضع تحديا حقيقيا بشأن أهمية تعزيز أخلاقيات استخدام الذكاء الصناعي والتي تعتبر موضوعًا محوريًا، حيث يجب تحديد المسؤولية وضمان الشفافية حيث يجب أن تكون هناك شفافية في كيفية استخدام الأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي. يمكن أن يؤدي غياب الشفافية إلى عدم الثقة في هذه الأنظمة. بالإضافة لضرورة الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان لتجنب الأضرار المحتملة. حيث يجب أن تضع الدول قواعد واضحة بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي.​​ 

إن تعاون المجتمعات لإستخدام الذكاء الإصطناعي بشكل مسؤول لتحقيق مصلحة الجميع. إن الاستخدام الذكي والأخلاقي لهذه التقنية يمكن أن يُسهم في تحسين جودة الحياة، ولكن يجب أن يترافق ذلك مع وعي بالتحولات المحتملة التي قد تطرأ على البنية الاجتماعية والسياسية.