نشر موقع صدى الدار بتاريخ 27 ديسمبر، 2020حوار مهم مع المؤسس والرئيس التنفيذي لدراسات الشرق الأوسط، حاوره الصحفي عبد الغني دياب
“نظام صدام حسين قضى على القوى السياسية وسمح للمجموعات الطائفية بالتمدد”
التدخلات الخارجية ساهمت في عرقلة مسيرة التحول الديمقراطي
الحرب الأمريكية على العراق ساهمت في تعميق الدور الإيراني في بلدنا
المجتمع العراقي منقسم والحكومة ستعمل على ملء صناديق الاقتراع لضمان بقائها
وحقوق الأنسان، وقضايا المرأة والبيئة.
يجمع بين التجربة العملية التنظيمية مع مختلف المنظمات الوطنية والدولية والقدرات الفكرية والتحليلية
تحدث المحلل السياسي العراقي، ستار جبار رحمن المدير التنفيذي للمركز الأوربي لدراسات الشرق الأوسط والذي يتولى مهام رئيس المؤتمر الدولي الأول – الانتخابات وتحديات التحول الديمقراطي، عن المشكلات بلده العراق، وسبب انتشار تجمعات ميليشياوية مؤيدة لإيران وسيطرتها على القرار، مشيرا إلى سبب ذلك هو حالة قمع فرضها نظام حزب البعث.
وقال في حوار لـ«صوت الدار» إن نظام البعث الذي كان يقوده صدام حسين ضيق على القوى السياسية، بجميع توجهاتها في الداخل العراقي؛ ما سمح بتمدد التجمعات الطائفية، مؤكدا أن هناك عوامل خارجية كبرى تسبب في وصول العراق لما عليه الآن.
وأكد «رحمن» أن معوقات كثيرة تواجه التحول الديمقراطي على المستوى العربي، ولا يمكن أن نتجاوزها عبر الانتخابات فقط بل يجب على المجتمعات العربية العمل لتوطين الفكر الديمقراطي لدي أبنائها، لأنه يوجد حتى معارضة لا تؤمن بالديمقراطية، أو تميل للعمل السري، وهو ما يجعل الجميع متخلفا عن الممارسات الديمقراطية المطلوبة.
يتجه العراق حاليًا إلى انتخابات في منتصف العام الجديد.. فهل يمكن الوصول إليها بسلام في ظل الأوضاع السياسية الحالية.. وكيف يمكن للحكومة الحالية تجهيز المجتمع لها؟
بالتأكيد السلطة ستسعى لملء الصناديق بأوراق تضمن استمرارها، لكن المجتمع العراقي منقسم بين من يجد في الانتخابات الطريق لإحداث تغييرات وإصلاحات للنظام السياسي، وبين من يراها مزورة ولم يجد فيها الطريق الأمثل في إصلاح النظام السياسي العراقي.
وبخصوص التجهيز للانتخابات فإن الحكومة قادرة على ذلك بسهولة أما إذا كانت تسعى لتجهيز الانتخابات للحفاظ على الاستقرار والسلم الاجتماعي والشروع بالتنمية وإصلاح النظام السياسي فإنها بحاجة لإرادة، وستكون أمام تحديات داخلية وإقليمية جسيمة، فلن تؤدي الانتخابات العراقية هدفها دون إشراف أوربي وأممي واسع.
برأيك ما هي المعوقات التي تواجه التحول الديمقراطي في العراق حاليًا؟
التغيير بالنظام العراقي حدث من خلال الحرب، واحتلال القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها للعراق وإسقاط النظام العراقي السابق وإقامة نظام سياسي بديل، لذا فإن التحول من نظام البعث، الذي كان نظاما دكتاتوريا استبداديا بامتياز تنعدم فيه كل أشكال الحريات السياسية، إلى نظام تعددي فسح مجال واسع للحريات السياسية، هذا التحول بشكل النظام لم يصاحبه تحول بوعي المجتمع تجاه الممارسة الديمقراطية من جهة، كما أن النظام الديكتاتوري استطاع إضعاف التيارات الديمقراطية والليبرالية واليسارية لأقصى الحدود بالقمع والملاحقة، لذا فإن التيارات الدينية والطائفية كان فرصتها بالانتشار أوسع لأنها تستند على البنية الثقافية الاجتماعية التقليدية.
كيف يمكن التغلب على هذه المشكلة؟
التحول الديمقراطي ظل محكوم بسيطرة قوى دينية وطائفية كرست سيطرتها على جميع مفاصل الدولة، ووظفت المال السياسي لتمويل سيطرتها وخلق منظومة من المليشيات التي تدعم سيطرتها وتقمع المعارضين والمنتقدين لها، لقد لعب التأثير الإيراني والصراع «الأمريكي-الإيراني» وداعش دورا كبيرا في تنشيط هذه المنظومة، فإلى جانب العوامل الداخلية؛ يساهم العامل الخارجي في عرقلة مسيرة التحول الديمقراطي، فالتحول الديمقراطي في العراق سبق الربيع العربي بسنوات لذا كان يشكل خطرًا إذا ما نجح في بناء دولة ديمقراطية على أنقاض الدكتاتورية، ولأن المنطقة ما زالت تعيش مرحلة الصراع والنفوذ والتزاحم الذي كانت تعيشها أوربا قبل الحرب العالمية الثانية، ولم تتولد لديها رؤية التكامل من أجل النهوض المشترك، لم تستطع التعايش مع النظام الجديد، ما ساهم في تعميق دور ايران في العراق.
أنت من المهتمين بقضايا الديمقراطية في المجتمعات العربية برأيك ما هو المعوق الرئيسي للتحول الديمقراطي عربيًا؟
المعوق الأساسي يكمن بالتحول نفسه، إنه تحول ديمقراطي بألية الوصول للسلطة ولكنه ليس تحولا ديمقراطيا ببنية النظام السياسي العربي، وبالبنية الثقافية والمفاهيمية للمجتمع والدولة، فما زالت كثير من القوى التي تصل للسلطة تسلك سلوك المعارضة السرية أو شبه السرية التي كانت تمارسها بالسابق، لقد أدى هذا التحول المبتور لوصول قوى لا تؤمن بالديمقراطية فكرا وممارسة لكنها تؤمن بصناديق الاقتراع إن كانت مليئة بالأوراق التي تصلها للسلطة.
ولماذا تحولت الحركات الشعبية في بعض الدول إلى مواجهات مسلحة كما هو الحال في سوريا واليمن وليبيا.. وكيف يمكن تجاوز المواجهات الحالية؟
الحركات الشعبية التي تتحول لمواجهات مسلحة تكون أما بسبب غياب الخيار السلمي للتعبير عن الآراء السياسية، أو لأنها اختطفت من قوى ذات رؤى راديكالية تطمح للوصول للسلطة وإقصاء الأخرين، والسلطة السياسية هي الطرف الأكثر تغذية لتلك المواجهات.
لماذا تحمل السلطة وحدها المسؤولية؟
لأن السلطة تمتلك القدرة السياسية على فسح مجال أوسع لأكبر قطاعات واتجاهات المجتمع السياسية والفكرية للمشاركة الحرة بالحياة السياسية وضمان الحريات العامة وحقوق الإنسان؛ وبالتالي فإن المشاركة السياسية يكرس آليات النضال السلمي بين الجماهير، ويعزل القوى ذات التوجهات العنيفة عنها، إن كانت هي تذهب لخيار المواجهات المسلحة من منطلقات فكرية راديكالية أو كانت لها ارتباطات خارجية.
تتجهون حاليا لعقد مؤتمر دولي حول الديمقراطية.. كيف تولدت هذه الفكرة وما الهدف منه؟
منذ انطلاق أحداث الربيع العربي، وتداعياته الإيجابية والسلبية منها على النظم والمجتمعات العربية، أصبح إحداث تغييرات جوهرية بالنظم السياسية العربية حاجة ملحة، لتستوعب المتغيرات المعاصرة، فسارت معظم الدول العربية منذ عام 2011 بطريق تلك التغييرات وبأشكال وصيغ مختلفة، لا تخلو من الألم والمعاناة التي أصابت الكثيرين وراح ضحيتها الألاف.
وأصبح التحول الديمقراطي هو صفة المرحلة التي تمر بها تلك الأنظمة وبامتياز، وبدأت تجنح للانتخابات للتعبير عن إرادة الجماهير الراغبة بممارسة حقها بالحكم، وبسبب غياب الممارسة السياسية السليمة على مدى طويل، تشوهت كثير من المفاهيم، أو أُريد تشويهها، وعلى وجه الخصوص ضمن هذا الحقل مفهومي الانتخابات والتحول الديمقراطي.
لذا كان من الضروري تفكيك المفاهيم وتحليل جوهر العلاقة بين مفهومي الانتخابات والتحول الديمقراطي، وتسليط الضوء على الموضوع من خلال مساهمات باحثين متخصصين وبمراجعة نخبة من الأساتذة ومشاركات من قبل مفوضيات وسلطات إدارة الانتخابات في أغلب الدول العربية وسياسيين وبرلمانيين وناشطين مجتمع مدني، للوصول لنتائج تساهم في تعميق الجوانب الإيجابية للتحولات السياسية وإصلاح العوارض السلبية.
من خلال فعالياتكم ودراستكم المتعمقة في المركز لملف الديمقراطية في الوطن العربي.. ما هي العلاقة العضوية بين الانتخابات والتحول الديمقراطي؟
التحول الديمقراطي هو المسار السياسي الذي تمر به الأنظمة والذي يكرس باستمرار الممارسة السياسية على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، فمرحلة التحول الديمقراطي لا تمثل الديمقراطية بحد ذاتها، وإنما هي الطريق الذي يؤدي لها (الديمقراطية).
في مرحلة التحول الديمقراطي يكون الشروع بالانتخابات من الخطوات الأولية والتي تعكس تصورا مشوها على أنها هي الديمقراطية، لقد جاء الربط بين الانتخابات والتحول الديمقراطي لتزييف الوعي، ولحصر التحول الديمقراطي بالانتخابات وحدها، ليس فيها كعملية وكذلك ما ستفرزه من نتائج.
والانتخابات هي إجراء ديمقراطي، لكنها ليست الديمقراطية فالديمقراطية منظومة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، والانتخابات إحدى أدواتها التي يمكن من خلالها انتخاب النواب والممثلين في هذه المنظومة، لكنها ستؤدي لغير هدفها أن تتوفر شروط ممارستها الأخرى.
الانتخابات بحاجة لحد أدنى من الوعي السياسي، ومنظومة قوانين واسعة تضمن ممارسة الانتخابات بشكل سليم، فالمواطنون الذين يسكنون مدن الصفيح والعشوائيات ولا تتوفر لهم ضمانات ضد البطالة والعجز والمرض، ومع انتشار الأمية وعمالة الأطفال وضعف سيادة القانون وسطوة الأعراف العشائرية والقبلية، لا يمكنهم أن يؤدوا الخيار الانتخابي بما يصب بمصالحهم أو يضمن حقوقهم.
إن كانت الانتخابات كأهم أدوات الديمقراطية يمكنها أن تفسد العملية الديمقراطية ذاتها.. كيف يمكن تجاوز هذا التناقض دون المساس بجوهر الديمقراطية؟
ما دمنا نتحدث عن تحول ديمقراطي، فإننا بالتأكيد نتحدث عن مرحلة لها استحقاقاتها ولا يمكن تجاوزها أو حرق مراحلها، هذا التحول يشمل جميع قطاعات المجتمع، ولتكريس هذه الممارسة يجب بالأساس تكريس الفهم أن الانتخابات ليست الديمقراطية ومن يصل للسلطة بالانتخابات لا يمثل نتائج الديمقراطية وإنما نتائج الأوراق بصناديق الاقتراع، والديمقراطية لا تنحصر بهذه الصناديق.
وما هو الدور المفترض أن يقوم به المجتمع المدني ومراكز الأبحاث والإعلام في هذا الصدد؟
هذه المؤسسات يقع عليها الدور الأكبر لأنها أقرب للمجتمع وأكثر تأثير فيه، فالتحول الديمقراطي مثلما يراد منه أن يصيب السلطة والنظام السياسي يجب أن يتكرس داخل مفاصل المجتمع، ومن خلال منظمات المجتمع المدني ومراكز الأبحاث والإعلام يمكن تعميق الممارسة الديمقراطية التي بدورها تساهم في تعميق الوعي الديمقراطي، فأي حراك اجتماعي بحاجة للإطار النظري والتعبئة والممارسة، لكن على الصعيد نفسه يمكن ان تساهم تلك المؤسسات في انتكاس التحول الديمقراطي وانحرافه إذا ما هي انحرفت عن أداء مهامها.
وهل عجز الإعلام عن القيام بهذا الدور؟
الإعلام إذا ما تحول من أداة لعرض الحقيقة وتسليط الضوء عليها، إلى بوق للسلطة أو للمعارضة على حد سواء فإنه سيساهم في خلق انتكاسة في الوعي الاجتماعي الذي لا يتجاوب ابتداءً مع التضليل الإعلامي ثم يتحول لانتكاسة وتكذيب لكل ما يقوله الإعلام.
لكن كيف يساهم مؤتمركم في تنمية أفكار التحول الديمقراطي المرن في البلدان العربية؟
لقد أشرت إلى أن واحدة من إشكاليات مسار التحول الديمقراطي هو غياب فهمه كعملية متكاملة والتمييز النظري والعملي بينه من جهة، وبين الانتخابات كإجراء ديمقراطي من جهة أخرى، سيساهم المؤتمر في تسليط الضوء على هذا المضمون من الناحية النظرية من خلال المساهمات الأكاديمية كما سيساهم بتسليط الضوء على الإجراءات العملية وأثر هذا الخلط بالمفاهيم على مسار التحول الديمقراطي وحتى العملية الانتخابية.
ونتأمل أن يقدم جملة من التوصيات والقرارات التي تضعها المؤسسات المعنية حيز التنفيذ وكلا حسب مجاله.
كيف يمكن إنجاز التحول الديمقراطي والوصول إليه وما هي القوى المؤثرة في ذلك؟
باعتقادي لا توجد ديمقراطية نهائية أو مثالية، أي لا توجد دولة ديمقراطية بالمعنى النموذجي في العالم، فجميع الأنظمة التي تعتبر ديمقراطية تمر بالأساس بمراحل التحول الديمقراطي لكن بإيقاع مختلف، لذا لا يمكن إنجاز التحول الديمقراطي بشكل كامل وكأنه شيء مادي، لكن يمكننا القول بأي مرحلة نحن من مراحل هذا التحول.
وكل القوى والمؤسسات والأفراد يؤثرون بمسار التحول الديمقراطي وبأشكال مختلفة إيجابا وسلبا، كثير من القوى والأحزاب التي تناضل من أجل التحول الديمقراطي يحتفظون بقيادة أحزابهم لعقود، وأصبحت ترتبط الأحزاب بشخوصهم، وبالتالي يفقدون جزء من ديناميكية التغيير الديمقراطي بهذه الممارسات.