أجرت صحيفة الصباح العراقية الرسمية اليومية والتي تصدر عن شبكة الإعلام العراقي في عددها 5082 الصادر بتاريخ 4/4/2021 حوار موسع ومهم مع الأستاذ ستار جبار رحمن الرئيس التنفيذي للمركز الأوربي لدراسات الشرق الأوسط سلط فيه الضوء على القضايا النسوية وتحدث عن تأسيس منتدى نوال السعداوي والذي سيهتم بالدراسات النسوية.
نص الحوار
حاوره الدكتور حارث الخفاجي
ضمن سعيه إلى توسيع فضاءاته المعرفية على المستويين النظري والتطبيقي، بادر المركز الأوربي لدراسات الشرق الأوسط إلى تأسيس منتدى بحثي يُخلد في عنوانه اسم وأثر إحدى أهم الباحثات في شؤون المرأة. إنه ((منتدى نوال السعداوي لدراسات المرأة)) ليكون أحد تشكيلات المركز والذي يعنى بمختلف الدراسات النسوية. وحمل المنتدى اسم المفكرة والمناضلة الراحلة د. نوال السعداوي تخليدا لدورها في الدفاع عن قضايا المرأة. لذا كان لنا هذا اللقاء مع الأستاذ ستار جبار رحمن المدير التنفيذي للمركز الأوربي لدراسات الشرق الأوسط
ما الأهداف التي سيطلع بها منتدى نوال السعداوي لدراسات المرأة؟
المنتدى سيجمع بين النشاط النظري العلمي من جهة، والذي سيتناول الدراسات النسوية والدراسات المتباينة التي تحلل واقع المرأة والجذور الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية لعدم مساواتها بالرجل، وذلك من خلال إعداد الدراسات وتنظيم الحلقات الدراسية والمؤتمرات العلمية وإصدار المجالات والكتب من جهة والنشاط الجماهيري، حيث سيأخذ على عاتقه تنفيذ الفعاليات الجماهيرية والحملات دفاعا عن قضايا المرأة من جهة أخرى.
هناك كثير من المنظمات النسوية التي تتفق مع منطلقات المنتدى، فهل ستسعون لنوع من الشراكة او التشبيك؟
بالتأكيد إن الشراكة والتنسيق تساهم في تبادل الخبرات والتعاون على إنجاز الغعاليات الكبيرة والمهمة، حيث سيعمل المنتدى على التنسيق مع المؤسسات البحثية والحركات النسوية المعنية بقضايا المرأة وتحررها، وستكون لدينا خطة ومعايير بهذا الاتجاه، ترتكز بالأساس على المشتركات مع مختلف المؤسسات والتحالفات والشبكات النسوية.
هل سيكون المنتدى معني بالإنتاج الفكري للراحلة الدكتورة نوال السعداوي ام انه سيتناول قضايا نسوية أوسع؟
حمل المنتدى اسم الراحلة الدكتورة نوال السعداوي تكريما لدورها الكبير لما قدمته من إسهامات فكرية نظرية عميقة بمجمل الحركة النسوية والدراسات النسوية على وجه التحديد، وهو سيعتمد قضايا المرأة وأزماتها وتحررها على وجه الخصوص وهو بذلك سيكون معني بالتأكيد بإسهامات الراحلة الدكتورة نوال السعداوي الى جانب كل الإسهامات الفكرية التي تصب بهذا الاتجاه، فالمنتدى سيكون معنياً بمجال الدراسات النسوية وهذا ما تفتقده الحركة النسوية في المنطقة العربية، فالتغييرات الديمقراطية والتحررية للمجتمعات لن تجد لها طريق دون تحليل علمي للواقع يزود كل المدافعين عن الحرية بالسلاح الفكري.
تزخر الساحة العربية اليوم بالمنظمات والمؤسسات والجمعيات النسوية، ما هي الإضافة المتوقعة التي سيحققها المنتدى؟
صحيح هناك كثير من المنظمات النسوية في الساحة وهي تساهم- إلى حد ما- بأثر إيجابي لكنها ما زالت في أغلبها بعيدة عن قضية تحرر المرأة، إذ يجب التمييز بحذر بين منظمات ومؤسسات نسوية تؤمن بأن تحرر المرأة جزء لا يتجزء من تحرر المجتمع، والمجتمع الذي لا يضمن مساواة تامة للمرأة بالرجل يعد مجتمعاً غير حر ، وبين منظمات “نسوية” تعمل بالضد من مساواة المرأة بالرجل، كما هناك فرق بين منظمات نسوية تسعى للرعاية الإرشادية وتنظيم ورش ودورات لتعليم مهن او محو الأمية، رغم إيجابيته الا انه لا يرقى إلى قضية تحرر المرأة كجزء أساسي من تحرر المجتمع، لذا فالمنتدى سيكون ضمن المؤسسات القلائل على العمل الفكري النظري والتي تسعى لتزويد الحركات النسوية التحررية بسلاح نظري في صراعها من أجل المساواة التامة للمرأة والرجل.
الا تعتقدون ان التمكين الاقتصادي للمرأة يسهم في تحررها السياسي والاجتماعي؟
المنظمات النسوية هي بالأساس منظمات سياسية حقوقية اكثر من كونها منظمات اجتماعية وخدمية، اي انها تسعى لأحداث تغييرات جوهرية بالنظام السياسي الاجتماعي الاقتصادي والمنظومة القيمية للمجتمع، لذا فاي ادوار أخرى هي ثانوية ومساعدة لمهام المنظمات النسوية الجوهرية والتي يجب ان لا تفرغ المنظمات النسوية من مهمتها الجوهرية.
من جانب آخر إن التمكين الاقتصادي يساهم في في التحرر الاقتصادي لكنه لا يساهم بالتحرر السياسي والاجتماعي، فما زال النظام الاجتماعي في كثير من مفاصله ينظر إلى المرأة نظرة دونية فهو مزود ببنية ثقافية وقيمية وأخلاقية ودينية تضع المرأة بمكانة ادنى من الرجل، بالإضافة إلى ذلك علينا الوقوف عند شكل هذا التمكين الاقتصادي: اين يقع دور المرأة بعملية الإنتاج الوطني، فليس المهم فقط ان يكون للمرأة دخل خاص من عمل هامشي ضمن عجلة الإنتاج الوطني، ولكن علينا كباحثين تتبع حجم دورها ومكانتها بعملية الإنتاج الوطني.
على سبيل المثال ان جمع التبرعات وتوزيع المساعدات على المحتاجين والفقراء عمل إنساني، لكنه بنفس الوقت لا يناضل ضد الاستغلال الاجتماعي والتوزيع غير العادل للثروة، كما انه يساهم من جانب أخر “وبحسن نية” بإخفاء الظلم الاجتماعي
يشكل الدين او المقدس اليوم مكوناً أساسياً من الوعي الاجتماعي لمنطقتنا العربية، حيث تشكل كثير من المفاهيم التحررية تقاطع مع المنظومة القيمية والدينية؟
السلطة والقوى الاجتماعية التي تقف وراءها تخوض في سبيل الحفاظ على مكاسبها صراعاً توظف فيه كل ما يقع تحت يدها من أدوات. ومن بين تلك الأدوات الدين، لذا فإن الصراع الاجتماعي غير موجه بالضد من الدين كعقيدة وإيمان وعبادات وانما الصراع هو ضد توظيف الدين اجتماعياً، لذا فالسلطة والقوى الاجتماعية التي تقف وراءها تختبيء خلف المقدس، فتنقل المعركة من صراع ضد الظلم الاجتماعي واضطهاد المرأة لنقد الدين، وإذا كانت قيم المجتمع وعاداته تتناقض مع أي من قيم المساواة التامة بين البشر والعدالة والكرامة، فعلينا بالفعل النضال من اجل قيم اجتماعية أكثر إنسانية.
اغلب الذين يقفون بالضد من تحرر المرأة ومساواتها بالرجل يجدون ان تحرر المرأة يؤدي للانحلال الأخلاقي؟
هذا يعود بالأساس لسببين: الأول لأن البعض من دعاة حرية المرأة حصر تحررها بالجانب الجنسي وأصبحت هذه الدعوة للحرية مبتذلة وتصب في خانة القوى الرجعية أكثر مما هي تخدم قضايا المرأة وتحقيق حريتها ومساواتها، فحصر التحرر بالجنس والابتذال الجنسي يسيء للمرأة كإنسان واعٍ ومسؤول، فمن يرى ان المرأة وعاء للجنس ولإشباع الرغبات الجنسية للرجل من جهة، ومن يمارس الابتذال الجنسي من جهة اخرى، كلاهما ينطلقان من نفس جوهر المنطلقات الفكرية وان اختلفا اختلافا شاسعا بالظاهر.
فالابتذال الجنسي هو الإفراط بتداول مفاتن المرأة والممارسة الجنسية، فلا يجد بالمرأة غير مفاتنها الجنسية او يراى بتلك المفاتن الاكثر أهمية، وهو احتقار للمرأة ولإنسانيتها الكاملة والتي لا تختلف عن التعامل معها كجارية وبالتالي فكلا الفريقان يتعاملان مع المرأة كسلعة جنسية ان كانت بثمن عند الفريق الأول او مجانية عند الفريق الثاني.
اما السبب الثاني فيعود لفهمنا لموضوع الأخلاق، وهل الأخلاق قيم ثابته ام متغيرة، فالأخلاق هي معيارنا لتحديد الصواب من الخطأ والذي يعتمد على عدة مصادر، الدين والتربية والعادات والتعلم، لذا فالمنطلقات الفكرية التي تتعامل مع المرأة ككائن قاصر يؤدي بالنتيجة للحكم على انها غير قادرة على تحديد الصواب من الخطأ بشكل حر، وإلا هل حرية الرجل تؤدي للانحلال الأخلاقي؟!!
الاستبداد لا يقوم على فراغ فكري، وإنما يقوم بالأساس على ان الآخر غير قادر على معرفة مصالحة او حماية نفسه، لذا فتسلب حريته لانه يسيء استخدامها، لذا فان حرية المرأة تعني لدى الفكر الاستبدادي الانحلال الأخلاقي لأنها غير قادرة على إصدار حكم أخلاقي صائب وهذا هو بالأساس المنطلق الفكري للاستبداد واضطهاد المرأة على حد سواء
أين تجدون مكانة حرية المرأة وضمن اي حراك لإحداث تحولات ديمقراطية؟
تحرر المرأة هو تحرر سياسي واجتماعي والذي يتطلب إحداث تغييرات جذرية بالمنظومة القانونية والقيمية لذا فأن حرية المرأة ومساواتها التامة حجر أساس باي حراك يراد منه تكريس مفاهيم المساواة والكرامة والحرية، وتشكل دراسات المرأة ودراسات الحركات النسوية أهمية قصوى في تحليل التحولات الديمقراطية ومسار اتجاهاتها. ومكانتها في مجمل الحراك الاجتماعي التحرري.
الأولوية هي “للحس الإنساني الفطري”، يجب ان تتحرر المرأة من أنوثتها، أي انها لا تنظر للعالم من خلال انوثتها، وانما كانسان واعي ومسؤول، وبالتالي لا تكون عبدة ومملوكة لمفاتنها الأنثوية وذلك باستخدام المرأة لأنوثتها والتي تتمثل بجسدها لتحقيق أي أهدافه.
لذا فاي حركة تسعى لاحداث تحولات ديمقراطية جوهرية يجب ان يكون للحركة النسوية دور فيها كما أن أي حركة نسوية لن تحقق أهدافها إن كانت بمعزل عن القوى التحررية الأخرى في المجتمع.
حوار شيق للتعريف على منتدى نوال السعداوي والذي سيهتم بالدراسات النسوية ، اولا اختيار الاسم كان جد موفق اذ لا يوجد في العالم العربي من ناضلت من أجل قضايا المرأة ووهبت حياتها من أجل الدفاع عن حقوق المرأة كالدكتورة نوال السعداوي، ثانيا تأسيس هيئة خاصة بقضايا النسوية أصبح شيء لابد منه أمام التحديات الكبرى التي تواجهنا كعالم ثالث.
أتمنى أن يكون المنتدى نقطة تحول ايجابية في مسار الحركة النسوية وأن يضيف ويدعم قضايا المرأة في العالم العربي .